جديد المدونة
Loading...
الجمعة، 13 ديسمبر 2013


بقلم الآثارى
 محمد رشدى 
مفتش اثار المنيا الشمالية
الكتابة  هى الوسيلة الثابتة للتعبير عن الفكرة؛ وعندما فكر المصرى فى أن يسجل أحداثه كانت الطبيعة من حوله مصدر الإلهام بالنسبة له بما فيها من ظواهر طبيعية وكائنات حية، فهداه تفكيره إلى أن ينقل بعضاً مما فى الطبيعة والبيئة المحيطة به ليعبر بالصورة عن المعانى التى يريد التعبير عنها، وجاءت العلامات ذات استخدام تصويرى أى معبرة عن صورتها، فإذا ما رسم إنساناً فإنه يقصد التعبير عن الإنسان، وكذلك الحال بالنسبة لأعضاء جسم الإنسان، أو الحيوان وأعضائه، وكذلك الطوير والزواحف والحشرات، ثم هناك الأشجار والنباتات والجبال والبحار والأنهار.


والمتوقع أن بعض أصحاب المبادرات والذين يجود بهم الزمان فى كل مكان قد التقوا ووضعوا تصوراً قابلاً للنقاش والتطوير، ولابد أنهم اتفقوا على استخدام علامات معينة لتعبر عن مضمون معين، فالبومة للتعبير عن البومة نفسها، وموجه المياه للتعبير عن المياه بوجه عام سواء من حيث المصدر أو الاستخدام واختاروا شكلاً هندسياً معينـــاً للتعبير عن "البيت" وشكلاً آخر دائرياً بشارعين متقاطعين للتعبير عن المدينة، والعلامة التى تمثل القصبة الهوائية والرئتين للتعبير عنهما كأجزاء من جسم الإنسان .
         
النتيجة يعبر عنها بالسبب ـ والهواء يعبر عنه برسم شراع مركب منتفخ هواء ـ ويعبر عن المحتوى بالحاوى ـ فجرة الجعة تشير إلى الجعة ذاتها ولفة البردى تعبر عن عملية الكتابة إلخ ..
وفى كل هذه العلامات التصويرية كان لابد من استخدام شرطة رأسية أسفل العلامة فى معظم الأحيان لتؤكد أن العلامة تعبر عن نفسها وتشير إلى مضمونها، أى تصور نفسها دون أن تكون لها قيمة صوتية.
ولابد أن دائرة الاتفاق على الاستخدام التصويرى للعلامة قد بدأت تتسع لتشمل أكثر من مكان من أرض مصر ولعل القارئ سوف يتساءل من أى مكان بدأ المصرى يكتب؟ هل بدأت المحاولة فى مكان بعينه ثم أخذت تتنتقل بالتدريج إلى أماكن أخرى؟ أم أنها انطلقت من أكثر من مكان فى وقت واحد؟!
الأرجح والمنطقى أن تكون البداية قد جرت فى مكان بعينه، وبعد التوصل إلى بعض الأساسيات أخذت الفكرة تنتقل إلى جهات أخرى لعلها قبلت ريادة المنطقة التى بدأت فيها الكتابة أو أعملت فيها فكرها.
وإذا كانت نقطة الانطلاق قد حدثت فى مكان ما، فهل يمكن من خلال ما نعرفه عن تاريخ مصر القديمة وحضارتها وعن الأدوار التى لعبتها بعض المناطق والتى تمثل ثقلاً دينياً أو فكرياً... هل يمكن أن نحدد أين بدأت الكتابة؟ ربما نستطيع أن نشير إلى بعض المناطق فى شمال البلاد ووسطها وجنوبها ذات الثقل الفكرى على امتداد التاريخ المصرى القديم أو فى فترة محددة منه، فهناك مدينة العلم والثقافة والفكر الدينى "هليوبوليس ـ عين شمس ـ المطرية" والتى كانت تعرف باسم "أون" مركز عبادة الشمس ومنبع نظرية مهمة من نظريات تصور المصرى القديم عن خلق الكون "نظرية التاسوع" ومحط أنظار الفلاسفة ورجال العلم من بلاد اليونان.
وهناك مدينة منف العظيمة أقدم العواصم المصرية (حالياً مين رهينة ـ مركز البدرشين، محافظة الجيزة) مركز عبادة الإله بتاح أحد أهم الآلهة المصرية ومصدر إحدى نظريات خلق الكون.
ثم هناك فى مصر الوسطى فى محافظة المنيا وبالتحديد "قرية الأشمونين مركز ملوى، والأشمونين كانت مركزاً لعبادة الإله جحوتى إله الحكمة والمعرفة، ومنها خرجت أيضاً إحدى نظريات الخلق (نظرية الثامون)،
 
 ثم هناك فى صعيد مصر وفى منطقة أبيدوس (العرابة المدفونة، مركز البلينا، محافظة سوهاج) حيث المركز الرئيسى لعبادة إله الخير ورب العالم الآخر "أوزوريس" وفى سوهاج أيضاً منطقة "ثنى" (طينة) التى يظن أنها قرية البربا (مركز جرجا، محافظة سوهاج) والتى خرج منها الملك "نعرمر" وأسرته لتوحيد قطرى مصر وعلى بعد حوالى 20كم شمال أدفو نجد فى شرق وغرب النيل مدينتى "نخب" و"نخن" عاصمتى الجنوب قبل توحيد قطرى مصر، ومركز عبادة الآلهة ذات الشأن الكبير فى العقائد المصرية، الآلهة "نخبت" وعودة إلى شمال البلاد إلى قرية بوتو (إبطو ـ تل الفراعين، مركز دسوق، محافظة كفر الشيخ) عاصمة مصر قبل توحيد القطرين ومركز عبادة إحدى الإلهات البارزات فى مصر الفرعونية من الإلهات المصريات وهى الآلهة "واجيت".
ثم هناك الكثير من المواقع التى شهدت حضارات ما قبل التاريخ والتى مهدت لتاريخ مصر المكتوب مثل حلوان والمعادى وجرزه والفيوم والبدارى وديرتاسا ونقادة وغيرها.
فى أى من هذه الأماكن أو ربما فى غيرها بدأت الكتابة المصرية؟. سؤال سيظل بلا إجابة محددة إلى أن تخرج لنا أرض مصر الكثير الذى لا يزال فى باطنها.
ونعود للعلامات التصويرية التى أدرك المصرى بمرور الوقت أنها غير كافية للتعبير عن أفكاره ونشاطاته وتصوراته للعالمين العلوى والسفلى (عالم الأحياء وعالم الموتى)، وعليه فقد أخذ المصرى يطور من استخدام العلامة ليتقلص دولها التصويرى بالتدريج ويبدأ دورها الصوتى لتعطى كل علامة صوتاً واحداً أو صوتين أو ثلاث وفى حالات قليلة أربع وخمس.
 
ـ القيمة الصوتية للعلامات:

بعد ما توصل المصرى إلى وضع قيمة صوتية Transliteration لكل علامة كان عليه أن يصنف العلامات إلى علامات تعطى القيمة الصوتية لحرف واحد والتى عرفت تجاوزاً باسم "الأبجدية" وأخرى تعطى القيمة الصوتية لحرفين وثالثة تعطى القيمة الصوتية لثلاثة حروف وحالات ليست بالكثيرة لأربع وخمس أحرف
.
فإن هناك من الكلمات ما يصعب رسمه وتصويره كأسماء المعانى مثلاً فيجب أن ينقش بدلها كلمات أخرى يمكن رسمها وتتفق معها فى النطق وإن كانت تختلف عنها فى المدلول، وعلى القارئ أن يفهم المعنى المقصود من سياق الكلام، فمثلاً أردنا أن نعبر عن معنى عظيم (ور).
وهذا يصعب علينا رسمه لأنه معنوى فلا علينا إذن إذا استعملنا بدله لفظ عصور الجنة (ور) لأنه يماثله فى النطق وإذا أردنا أن نعبر مثلاً عن كلمة يصير (خبر) وتصويرها أيضاً متعذر فلا بأس من أن نستبدل بها مثلاً كلمة جعل (خبر) التى تماثلها فى النطق والمرجع فى فهم المقصود منها إلى حذق القارئ.
والكلمة التى نستعيرها يجب أن تحتوى على حروف الكلمة التى نستعيرها لها بصرف النظر عن الحركات التى تحدد موقعها من الإعراب.
وكثير من العلامات التى تستعمل فى معنى واحد اتسعت معانيها على مر الأيام وأصبحت لا تختص بمدلول واحد بل إنها صارت على مر الأيام أجزاء من كلمات أخرى.
فمثلاً عصفور الجنة لم يعد يستعمل كما فى المثال الأول ليدل على (ور) (عظيم) فحسب، بل ليدل أيضاً على الحرفين الساكنين (و، ر) إذا دخلا فى تركيب الكلمات الأخرى مثل: (حور)، (سور)، (ورس)، (ورريت)... إلخ.
ومن هنا اكتسبت الكتابة إشارات من حرفين ساكنين. وتقدم المصريون خطوة أخرى فاستعملوا كلمات قصيرة فيها حرف ساكن واحد، تدل بجملتها على هذا الحرف الساكن فمثلاً:(فم) كانت تستعمل للدلالة على حرف الراء و(أفعى) كانت تستعمل للدلالة على حرف الزاى (والتاء فيها علامة التأنيث) و(بحيرة) للدلالة على حرف الشين وهكذا، وكانت نتيجة هذه الخطوة أن تكونت حروف أبجدية من أربعة وعشرين حرفاً ساكناً وهى التى انتهت فيما بعد إلى أرض كنعان وأخذت منها الحروف الأبجدية الأوربية .
ونستطيع أن نتصور مدى الصعاب التى واجهت مجموعة من الرواد المصريين القدماء الذين تصدوا لإنجاز هذا العمل الرائع من حيث التصنيف وتحديد القيمة الصوتية، ومن حيث إمكانية نشر هذا الإنجاز على امتداد الأراضى المصرية كلها لتوحيد وسيلة التفاهم نطقاً وكتابة.
وفى المعتاد تخصص الكتابة الهيروغليفية للنصوص الجدارية أو المدونة على الحجر، بشكل عام، سواء استخدمت أسلوب الحفر أو الحز أو الرسم الملون.
وظلت هذه الكتابة دون تطور من حيث أساسياتها منذ المدونات الأولى وحتى تلك التى تغطى جدران معابد العصر الرومانى.
وقد ارتبط التغيير الوحيد بخط الكتابة نفسها، فيتفاوت تارة بين ميلها إلى تبسيط الأشكال بالزيادة أو النقصان وصولاً إلى الزخرف( ).
ولقد اعتدنا أن نقتفى أثر الأغريق فى تسمية الكتابة المصرية فنسمى بعضها "الإشارات المقدسة" (هيروغليفية) ونسمى بعضاً آخر خاصاً (الهيراطيقى) وهو الذى نقلنا عنه معظم ما فى هذا الكتاب.
وفى هذه التسمية بعض التجوز أو التساهل لأن الهيراطيقى ليس نوعاً خاصاً منفصلاً عن قسيمه بل هو بمثابة خط الرقعة فى اللغة العربية إن جعلنا الهيروغليفى بمنزلة خط النسخ، والفرق بين الاثنين كالفرق بين حروف المطبعة وخط اليد( ).
من حسن حظ الحضارة المصرية أن كشف عن حجر رشيد عام 1799م ذلك الحجر الذى ضم مفاتيح اللغة المصرية القديمة والذى لولاه لظلت الحضارة المصرية غامضة لا ندرى من أمرها شيئاً لأننا لا نستطيع أن نقرأ الكتابات التى دونها المصريون القدماء على آثارهم.
فقد حصل الشاب الفرنسى شامبليون، كما حصل غيره من الباحثين على نسخة من الحجر وعكف على دراسته مبدياً اهتماماً شديداً بالخط الهيروغليفى ومعتمداً على خبرته الطويلة فى اللغة اليونانية القديمة، وفى اللغات القديمة بوجه عام .
 
المراجع
عبدالحليم نور الدين ، اللغة المصرية القديمة ، 1998
نيقولا جيرمان ، تاريخ مصر القديمة ، ترجمة ماهر جويجاني ، الطبعة الثانية 1993

بحث كامل عن السحر فى مصر القديمة

بحث كامل عن الأسكندر المقدونى

بحث كامل عن مقابر بنى حسن

بحث كامل عن دير سانت كاترين

بحث كامل عن الهكسوس

1 التعليقات:

 
جميع الحقوق محفوظة لـ الآثرى الفصيح
تركيب وتطوير | حراس الحضارة